المغربي المتهم باعتداءات مدريد في لقاء مثير للجدل: أنا أدفع ثمن ذنب لم أقترفه -حوار

18 مارس 2019 - 17:43

هي واحدة من المقابلات الصحافية غير المباشرة المثيرة للجدل، والتي تعيد إلى الواجهة سؤال البحث عن حقيقة ما جرى قبل وبعد الاعتداء الإرهابي الذي هز مدريد يوم 11 مارس 2004، والذي تم على إثره التحقيق مع العديد من المغاربة والحكم على بعضهم بمدد سجنية طويلة وصلت إلى 42 عاما.

في هذا الحوار الاستثنائي، يجيب المغربي جمال زوكام، المزداد بمدينة طنجة سنة 1973، عن مجموعة من الأسئلة، من سجن «تيخيرو» الذي يقبع فيه، والموجود بمدينة «كورونيا». حكم على جمال بـ42 عاما سجنا نافذا، باعتباره المنفذ الرئيس للاعتداء الذي حصد وراءه 191 قتيلا، ونحو 2000 جريح. في كل أجوبته تشبث جمال ببراءته، مشددا أن لا علاقة له بالاعتداء لا من قريب ولا من بعيد. كما أن والدته وأشقاءه مقتنعون كل الاقتناع بذلك، ولا يكلُّون من ترديد أن ابنهم جمال كان يتناول وجبة الفطور في البيت أثناء التفجيرات التي حصلت بمحطة القطار «أتوشا» بمدريد، وأنه نام تلك الليلة مع شقيقه في الغرفة نفسها. في النهاية، الحوار يعبر عن وجهة نظر جمال فقط. 

بعد مرور 15 سنة على اعتداء مدريد، هل لازِلتَ تُعتبر المنفذ الرئيس للاعتداء، أم أنك تَعتبرُ نفسك بريئا؟

نعم، أنا بريء براءة الذئب من دم ابن يعقوب. أنا الآن أقبع في السجن منذ 15 عاما، ودون وجه حق. واليوم، أؤكد من جديد ألا صلة لي بتلك الاعتداءات الشنيعة. بالطبع، أنا بريء؛ وأدين تلك الاعتداءات، والعنف بكل أنواعه. لقد ارتكبوا خطأ فادحا باعتقالي وتحطيم حياتي.

ولكن، ما هي روايتك بخصوص الاعتداء؟

ما أعرفه هو أنهم ارتكبوا خطأ خطيرا جدا في حقي. أنا لست المنفذ الفعلي لأي شيء، ببساطة لأنني كنت متفرغا لعملي، وكنت أستعد للاقتران بصديقتي. كنت أشتغل إلى أن اعتقلوني. كنت أكفاح منذ سن الـ16 سنة للعمل ومساعدة عائلتي في المصاريف اليومية، وكما قلت وأكرر ألا علاقة لي بهذه الجريمة البشعة. أنا بريء (كتبها بحروف كبيرة- INOCENTE -). ثم إنه لا علم لي بما حدث، ولا رواية لي حول هذا الاعتداء الشنيع. لكن ما أنا متيقن منه هو أنهم اعتقلوني يوم السبت، أي قبل يوم واحد من الانتخابات التشريعية يوم الأحد 14 مارس 2004 بإسبانيا. اعتقلوني في مكان العمل. كل ذلك كان غريبا ويَلُفُه الكثير من الغموض. أكثر من ذلك، اعتقلوني في الصباح، وفي المساء ملأت صوري كل وسائل الإعلام الإسبانية قبل إحالتي على القضاء. كان من المستعجل البحث عن متهم، وتحقّقَ لهم ذلك. يعتبرونني المنفذ الفعلي بناء على شهادات نسوة رومانيات، قلن إنهن تعرّفنَ عليَّ بعد ما شاهدنني في التلفزيون والصحف الإسبانية؛ إنَّهُ ظلم ما بعده ظلم لما حدث معي.

هل قمت بقراءة محضرك؟

لا أستطيع الإطلاع عليه.

الآن، أكد الكوميسير السابق المعتقل،  بياريخو،  خلال مثوله، حديثا، أمام المحكمة الوطنية بمدريد، أن مصالح استخباراتية خارجية تقف وراء الاعتداء. هل تتفق مع هذه النظرية؟

الشيء الوحيد الذي أفكر فيه الآن هو: لماذا أنا موجود هنا؟ أؤكد لكم أنني لم أكن موجودا في أي قطار لحظة الاعتداء، ولا أعرف أي متورط من قام بهذه الجريمة. أرى أنه كان اعتداء خطيرا جدا تسبب في سقوط الكثير من الضحايا. وعليه، يصعب طي هذا الملف كليا وسَجْن الشخص الخطأ. أعتقد أن ما كان على الإطلاق طي الملف دون معرفة حقيقة ما جرى، لأن الشيء الوحيد الذي أعرفه هو أنني بريء. أنا أدفع ثمن جريمة لم أقترفها ولم أشارك فيها. خسرت صحتي، وخسرت 15 عاما من عمري.

وكيف تقضي حياتك اليومية في السجن؟

تتشابه الأيام عليّ منذ 15 عاما. الأشياء نفسها تتكرر، باستثناء الزيارات العائلية التي تكسر هذه الرتابة وهذا الروتين الممل. في الصباح أمارس الرياضة، وفي الزوال أخرج إلى الساحة، بينما بقية الأوقات أخصصها للقراءة. لكن، خلال هذه السنوات الـ15 الطوال لم أتوقف لحظة عن التفكير والتساؤل متى سينتهي هذا الكابوس. كل ما أعرفه هو أنني لا أحب العنف ولا أنتمى إلى أي شبكة متطرفة، لكن الذي أعرفه هو أن أسرتي هاجرت (من المغرب) صوب إسبانيا من أجل العمل، والعمل كان هو همي الوحيد دوما، أكافح لكي أحسن وضعيتي، إلى أن وجدت نفسي في المعتقل.

من هم الأشخاص الذين تربطك بهم صلات جيدة في السجن؟

لا أحد. الجميع عندي سواسية، ثم إنني أتعامل بود مع الجميع.

وهل ربطت صداقات في السجن؟ 

لا. لم أربط أي صداقات. أتحدث بشكل عادي مع الجميع عندما نوجد في الساحة.

وكيف هي معنوياتك الآن؟

أحاول ألا أفكر في كل هذا كثيرا لكي أحاول أن أمضي قدما إلى الأمام، لكن ومع ذلك، أجد صعوبة. أعيش وأفكر في اللحظة التي سأكون فيها خارج أسوار السجن، وأن أعيش حياة بشكل عادي. كنت أعيش حياة طبيعية كأيها الناس إلى أن سلبوا حريتي وكسروا معنوياتي.

هل أصبحت متدينا أكثر منذ دخولك السجن؟

ولدت في كنف أسرة مسلمة، ولهذا أنا مسلم. أنا لست لا أكثر تدينا ولا أقل تدينا، لا خارج السجن ولا داخله؛ أنا مجرد شاب مسلم لا أكثر ولا أقل. وأدين كل أنواع العنف. المسلم كما المسيحي واليهودي لا يعتدون على الأبرياء. أعتقد أن قتل الأبرياء لا علاقة له بأي ديانة، بل الاسم الوحيد الذي يحمله هو القاتل.

متى ترى نفسك خارج أسوار السجن؟

عندما تُعرف الحقيقية كاملة. وإذا كنت أتحدث معكم (أي الصحيفة) فلأنه لديّ أمل في أن تُكتشف الحقيقة في أحد الأيام. والحقيقة هي أنني بريء ومسجون هكذا ظلما وعدوانا.

هل خططت لما ستقوم به بعد مغادرتك السجن؟

فكرت في الكثير من الأشياء. أولها، أريد استعادة صحتي، لأنني أشعر بأنني مريض (أسرته تقول إنه يعاني من هشاشة في العظام)؛ كما أريد أن أكون بجانب والدتي وإخوتي وأبنائهم. اشتقت إلى العمل والتواصل مع الناس. عانيت الكثير داخل السجن، لكن تعوزني الكلمات لوصف المرارة والسوء اللذين تكبدتهما داخل السجن.

هل تشتكي من سوء المعاملة في السجن؟

لا. يُتعاملُ معي كباقي السجناء.

منذ شهر أكتوبر الماضي سيتم، أيضا، التحقيق في وجود «جبهة السجون»، والتي تضمن، وفق الحرس المدني الإسباني، مجموعات تتبادل الرسائل من مختلف السجون الإسبانية للاستقطاب لصالح داعش. هل لديك ارتباطات بهذه الشبكة؟

هذا كل ما ينقصني سماعه. أؤكد أن لا علاقة لي بأي شبكة كيف ما كان نوعها.

هل تبادلت، مثلا، رسالة مع أشراف طاهري، زعيم «جبهة السجون» المحتملة هذه؟

لم أتبادل أي رسالة مع أي كان، ولا علم لي بأي زعيم. كل ما أريده وأرغب فيه هو الخروج من هنا (السجن)، ولا أريد البقاء هنا لأنني مريض جدا. من فضلكم توقفوا عن إلصاق مثل هكذا تهم بي، لأنه لا علاقة لي بها. أريد أن تعلموا أنني بريء، ولا علاقة لي بهذه الشبكات التي تتحدثون عنها. لا أريد أن أعرف أي شيء عن أي كان. أتواصل مع عائلتي فقط، وهي الوحيدة التي تزورني، وهي التي أتحدث معها، كما أتواصل معها بالهاتف منذ 15 عاما.

قبل أيام نشرنا في صحيفة «الإسبانيول» أنك فقدت معركة الطعن أمام المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، أخر أمل يمكن أن تطرق أبوابها، بخصوص شهادات النساء الرومانيات اللواتي شهدن ضدك، واللواتي قلن إنهن شاهدنك في عربات القطار في محطة أتوتشا. هل خدعك المحامي الذي تعاقدت معه؟ وكيف كان وقع ذلك عليك؟

كان سيئا، لأنني كنت آمل من خلال تلك الفرصة الطعن في الحكم وأن تُكتشف الحقيقة كاملة.

لماذا اخترت بالضبط ذلك المحامي؟

فجأة وجدت نفسي بدون محام ليستأنف القضية أمام المحكمة الأوروبية، ثم إنني لا أتذكر من هو الشخص الذي نصحني من داخل السجن للاتصال به. كما تم الاتصال، أيضا، بشقيقتي زينب من خلال شبكة اجتماعية قبل فترة ونصحوها بربط الاتصال بهذا المحامي لأنه يعرف ما يفعله.

وهل تعتقد أن شخصا ما يقف وراء هذا الاحتيال؟

بكل تأكيد.

من هو/هم؟

مَنْ هُمْ على علمٍ ببراءتي. إذ منذ لحظة اعتقالي الأولى، أحسست أنني غير محمي، وأن كفاحي أشبه بسكب الماء في الرمل، أقصد أنه كيف ما كان المحامي الذي اختاره، وليرافع ما شاء من مرافعة، لا شيء سيتغير، كما لو أنهم اختاروني لأقبع هنا. إنه لظلم ما يحدث معي. لقد حطموني كليا، جسديا، ومعنويا وأسريا، خاصة والدتي؛ لقد حطموا حياتي.

عن صحيفة «الإسبانيول» 

شارك المقال

شارك برأيك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

التالي