يونس مسكين يكتب.. هنا الرباط

09 سبتمبر 2019 - 18:00

هنا لندن: رئيس الوزراء بوريس جونسون، الشعبوي المناهض للمهاجرين، رغم أنه منحدر من أصول تركية، أثار زوبعة في بريطانيا، بعد إقدامه على تعطيل عمل البرلمان لمدة خمسة أسابيع، في محاولة منه لفرض خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي بدون اتفاق. البريطانيون خرجوا إلى الشوارع مدافعين عن برلمانهم وديمقراطيتهم، والمؤسسة التشريعية دافعت عن نفسها بإصدار قانون يمنع جونسون من الإقدام على خطوة الانسحاب من الاتحاد الأوروبي بدون اتفاق، مع تهديده بالملاحقة القضائية إذا لم يذعن للقانون الجديد. في خضم الجدل، قام نائب برلماني بريطاني من أصول “سيخية” بمهاجمة جونسون بشدة، ومطالبته بالاعتذار للمسلمين، متهما إياه بتأجيج مشاعر الكراهية والتمييز العنصري. وفي الوقت، الذي يغادر فيه جونسون مقر البرلمان على متن دراجته الهوائية عائدا نحو بيته اللندني، يستوقفه أحد المواطنين في الشارع و”يبهدله” بسبب اختياراته السياسية وشعبويته.

هنا الخرطوم: شهورا قليلة بعد اندلاع النسخة السودانية من الربيع العربي، الرئيس المدعوم من طرف قوى الثورات المضادة في المنطقة العربية، يقبع خلف القضبان مواجها تهما ثقيلة بالفساد، ومطلقا اعترافات أولية بتلقيه أموالا سخية خارج القانون من شخصيات خليجية، كما لو يقول بلسان الحال: أخرجوني من هنا وإلا فضحت المستور. في المقابل، انتهت الأزمة السياسية بين المدنيين والعسكريين، رغم ما خلّفته من أرواح ودماء سالت في شوارع العاصمة الخرطوم. رئيس الوزراء الجديد عبدالله حمدوك أعلن تشكيل حكومة بأقل من 20 وزيرا، من بينهم 4 نساء، إحداهن تتولى حقيبة الخارجية وما أدراك ما الخارجية في صحراء العرب القاحلة. دون أي إبطاء بادرت الحكومة فورا إلى مباشرة الملفات الاقتصادية والسياسية الحساسة والعالقة، مفاوضات مع جماعات مسلحة وبحث عن خطط إنعاش النمو، ومن الخارج رفع العقوبات التي فرضها الاتحاد الإفريقي على السودان بعد استحواذ العسكريين على الحكم.

هنا تونس: منبت الياسمين ومنطلق ثورات الربيع العربي مازال يزهر ويقدّم الدروس في الديمقراطية والخروج من سجن الديكتاتورية العربية، الذي يصوّره البعض قدرا محتوما لدول المنطقة. مساء أول أمس جلس العالم مذهولا أمام الشاشات التلفزيونية متفرجا على مناظرة بين المرشحين للانتخابات الرئاسية. إنها المرة الأولى التي يتابع فيها العالم انتخابات عربية بدون مرشح فائز بشكل مسبق، ولا آخر مدعوم بشكل فاضح من الدولة العميقة أو قوى الاستعمار والهيمنة الأجنبيين. مواجهات أول أمس السبت هي مجرّد جولة أولى ستستمر على مدى ثلاثة أيام، حيث يتواجه الإسلامي مع اليساري، الليبرالي مع الاشتراكي، المحافظ مع التقدمي، والكلمة الفصل للناخبين التونسيين يوم 15 شتنبر الجاري.

هنا الجزائر: الجمعة رقم 29 ضمن سلسلة خرجات الشعب الجزائري إلى الشارع للمطالبة بالحرية والديمقراطية ومحاربة الفساد. الآلاف يتظاهرون رغم دخول الحراك شهره الثامن، ولا بوادر لما راهن عليه البعض ضمن مجموعة الجنرالات الحاكمين، من إنهاك للمحتجين وقبول بالفتات الذي ألقي إلى الشعب حتى الآن، من تقديم لأكباش فداء ووعود لا ضمانة دستورية أو سياسية على تحقيقها. متظاهرو الجمعة 29 رددوا من جديد شعار: “كاع يرّحلوا”، مطالبين برحيل جميع المسؤولين المحسوبين على نظام بوتفليقة المخلوع. آلة الدعاية التي روّجت مؤخرا لقبول مفترض من جانب الجزائريين لتنظيم انتخابات في ظل السلطة الحالية كذّبتها الحناجر والهتافات. من وهران غربا إلى سكيكدة شرقا، المطلب واحد هو إعادة السيادة إلى الشعب والخضوع لاختياراته، والسلمية والنظام سلاح فعال في مواجهة التخويف بعودة عشرية الدم.

هنا الرباط: المفروض أن البلاد مقبلة على تعديل حكومي واسع ومراجعة شاملة للنموذج التنموي قصد إصلاح الأعطاب الاقتصادية والاجتماعية. لكن ما سيحدث هو أن أفراد فرقة مكونة من شرطتي “الأخلاق” و”محاربة العصابات”، سيستنفرون في يوم سبت هادئ، ويترصدون فتاة في مدخل بناية تضم إحدى شققها عيادة لطب النساء. الكومندو الأمني يوقف الفتاة، يتبيّن “صدفة” أنها صحافية اسمها هاجر الريسوني. لا محجوز ولا فعل في لحظة التوقيف يستدعي التدخل أو المساءلة، لكن الفتاة تُرغم على الصعود إلى العيادة الطبية، مواجهة عدسات الكاميرا التي تصوّرها رغما عنها. داخل العيادة سيتم الاتصال بالطبيب الذي كان قد غادر بعد قيامه بتدخل طبي لفائدة الصحافية المريضة، وإلى جانب مساعدي الطبيب وخطيبها السوداني، تنقل الصحافية إلى مخفر الشرطة بتهمة ارتكاب إجهاض لا تلبّس ولا دليل مادي من آثار الجنين المفترض يدلّ عليه. لا بأس ستتكلّف الدولة بالبحث عن الدليل داخل أحشاء الصحافية، فتنقلها إلى مستشفى قالت إنها فُحصت فيه مكرهة، ليجزم الطبيب بانعدام أي أثر للإجهاض. لكن ما لم يثبته الأمن ولا القضاء ولا الطب ستتكفّل به منابر التشهير والتشويه، صور الزميلة وهي في لحظة الاعتقال والإدخال إلى العيادة، إلى جانب نسخ من محاضرها، تتدفق على الهواتف والشاشات. ينتفض الرأي العام الوطني والدولي مستنكرا، لكن لا حياة لمن تنادي.

شارك المقال

شارك برأيك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

التالي