إسماعيل حمودي يكتب: ليبيا وفرص المغرب لبناء السلام

24 يناير 2020 - 18:00

يبدو أن البعض قد استسلم لواقع إقصاء المغرب من الإسهام في تسوية الأزمة الليبية، ويقدم انطباعا كمن لا يتصور أي إمكانية لاستعادة المبادرة من جديد، وهذا إن كان صحيحا، فمعناه أن المغرب قرّر التراجع إلى الوراء، لأسباب عديدة، منها أن الصراع أصبح عنيفا ويدار بقوة السلاح، وهذا ما يرفضه المغرب، ولا يمكنه المشاركة فيه بالتدخل إلى جانب طرف ضد آخر، لكن، لا يعني ذلك الانسحاب كلية، وإدارة الظهر لليبيا، وتركها فريسة للميليشيات المسلحة الآتية من بعيد.

منذ 2011، لعب المغرب دورا أمنيا وسياسيا واقتصاديا واجتماعيا في ليبيا، وإذا كان الشق السياسي الذي أفضى إلى اتفاق الصخيرات قد أُفْشِل، فإن المسارات الأمنية والاقتصادية والاجتماعية حققت تقدما لا يمكن إنكاره أو تجاوزه. 

في ما يتعلق بالمسار الأمني، جرى اتفاق بين وزير الداخلية المغربي ووزير الداخلية في الحكومة المعترف بها دوليا، في فبراير 2019، على السماح للمغرب بالإسهام في بناء المؤسسات الأمنية والعسكرية الليبية، وهذا المسار لا يترك خيارا أمام المغرب سوى مواصلة العمل من أجل مساعدة الليبيين في بناء مؤسساتهم، ويؤهله موقفه الحيادي تجاه طرفي الصراع في أن يكون طرفا مقبولا ومرحبا به، أكثر من أي دولة أخرى في المنطقة.

أما في المسار الاقتصادي، فقد تعزّز التعاون بشكل واضح على مدى السنوات الماضية منذ 2011، والمؤشرات على ذلك تتمثل في المنتدى الليبي الاقتصادي للاستثمار، الذي ينعقد منذ سنوات بالمغرب، والذي تحوّل في السنتين الأخيرتين إلى منتدى دولي يحضره المئات من رجال الأعمال المغاربة والليبيين، وهذا المدخل مهم وأساسي بالنسبة إلى المغرب لتعزيز بناء السلام وتسوية النزاع الليبي، وإعادة إعمار ليبيا بعد الحرب.

ويمكن القول إن المسار الاجتماعي حقق تقدما في بعض جوانبه كذلك، ويتعلق الأمر، أساسا، بتعزيز التعاون في مجال التعليم العالي والبحث العلمي خلال السنوات الثلاث الأخيرة، حيث ضاعف المغرب مرّتين عدد الطلاب الليبيين الذين يستقبلهم في جامعاته. 

وإذا كان وزير العمل الليبي صرّح، في دجنبر 2017، بأن بلاده في حاجة إلى الآلاف من اليد العاملة المغربية، وأدى تدهور الأوضاع عسكريا إلى تسريح أولئك العمال ابتداء من أبريل 2018، فإن الاتفاق المبرم على في هذا المجال يمكن إحياؤه مجددا، إذا تأكد فعلا أن طرفي الصراع لن يعودا مجددا إلى الحرب.

المسارات الثلاثة؛ الأمني والاقتصادي والاجتماعي، تجعل المغرب في قلب القضية الليبية، وإبعاده عن مؤتمر برلين ينبغي ألا يكبل يديه عن الإسهام في تسوية الأزمة، لأن لا أحد يمكن أن يبعده إن هو أصرّ على الحضور بفعالية. ويعلّمنا الحقل العلمي، المتمثل في «دراسات السلام والصراع»، أن تناقض قوى السلاح قد يفسح المجال، أحيانا، لحاملي لواء السلام لكي يبسطوا إرادتهم، وربما ينجحون إن هم وظفوا الخبرات اللازمة، بالتعاون مع طرفي الصراع (حفتر والسراج) في إطفاء النيران المشتعلة.

وتبدو الفرص مواتية اليوم، فالجنرال حفتر اقتنع، بعد برلين، بأن إقصاء المغرب كان خطأ، واعتبر وزير خارجيته، عبد الهادي لحويج (حكومة طبرق)، أن التسوية غير ممكنة دون المغرب، وهذا تطور إيجابي ينبغي استثماره. 

كما أن عدم حضور حكومة الوفاق المعترف بها دوليا اجتماع دول جوار ليبيا بالجزائر، يوم أمس، فرصة أخرى يمكن البناء عليها، لسببين؛ لأن حكومة الوفاق لا يمكنها أن تحضر إلى جانب دول أغلبيتها معادية لها، وثانيا، لأن الجزائر دعت مالي، علما أنها ليست دولة مجاورة لليبيا، وهو استفزاز ضمني للمغرب. 

وإذا كان حفتر يمد يده، وحكومة السراج تربطها بالمغرب علاقات إيجابية، فما على الرباط إلا أن تدعو الطرفين، وتسهم، وفق رؤيتها الخاصة، في بناء السلام بين الإخوة الأعداء، ولدى المغرب الخبرات الكافية لكي ينجح في ذلك.

 وللمغرب، في حال سار في هذا الخيار، أدوات أخرى لا تملكها الجزائر أو مصر أو الإمارات، وأقصد تحديدا خبراته في بناء المؤسسات الديمقراطية، والمؤسسات الوطنية المستقلة، وفي بناء المجتمع المدني، وكذا خبراته في القطاع الخاص، وفي التعليم العالي والبحث العلمي، وهي كلها أدوات تحتاج إليها الدول التي تسعى إلى الخروج من الأزمات، لبناء السلام وتصليبه، وهي متطلبات وخبرات تبدو ليبيا في حاجة إليها، ويعد المغرب البلد المغاربي والعربي الوحيد المؤهل للقيام بهذا الدور، وفي ذلك مصلحة ليبيا والمغرب معا.

شارك المقال

شارك برأيك

Laisser un commentaire

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *

التالي